رقص على الدماء- سودانيون يحتفلون بمجازر الدعم السريع.

في قلب السودان، تتواصل فصول المأساة بولاية النيل الأبيض، حيث تحصد ميليشيا الدعم السريع أرواح المدنيين الأبرياء بدم بارد. القذائف والرصاصات الطائشة تخترق أجساد الأهالي البسطاء دون تمييز، مُخلفةً وراءها دمارًا وخرابًا ومعاناة لا تُوصف، إذ لا يرحم القتلة شيخًا ولا امرأة ولا طفلًا، ولا حتى مريضًا أو ذا احتياجات خاصة.
أعلنت وزارة الخارجية السودانية في بيان لها يوم الثلاثاء الموافق 18 فبراير/ شباط، عن مصرع 433 مدنيًا ضحية لهجمات الدعم السريع الغاشمة على قرى الولاية. ووصف البيان تلك الهجمات بأنها "أسلوب الميليشيا المعتاد في الانتقام الشنيع من المدنيين العزل في القرى والبلدات الصغيرة".
في غمرة هذه المشاهد المؤلمة التي تمزق القلوب، تتجلى صورة أخرى قاتمة على مسرح مغاير خارج حدود الوطن الجريح. سودان ينزف بفعل حرب طاحنة خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين، وملايين النازحين واللاجئين الذين تقطعت بهم السبل.
في هذا المشهد العبثي، يحتفل ثلة من السياسيين وقادة الأحزاب المنفيين، ممن يدينون بالولاء للدعم السريع، في إحدى قاعات المؤتمرات الفارهة في كينيا. يرقصون ويهتفون بحماس، ويمجدون حميدتي، قائد الميليشيا المتهم بارتكاب أبشع الفظائع والجرائم التي شهدها السودان، ضاربين عرض الحائط بدماء الضحايا وأنين الثكالى واليتامى.
تتعالى أصوات الموسيقى والأغاني في القاعة، ابتهاجًا بما يعتبرونه نصرًا وإنجازًا، تتويجًا لـ 23 شهرًا من القتل وسفك الدماء وانتهاك الحرمات والتهجير القسري وتدمير البنية التحتية. جرائم بشعة ارتُكبت بحق أهلهم ووطنهم على يد حليفهم العسكري، الدعم السريع.
إنه "الميثاق السياسي" المشؤوم الذي يحتفلون به، الإنجاز الذي قُدمت قرابينُ من الجماجم والأشلاء وأنهار الدماء الزكية من أجله. أحزان تتراكم فوق أحزان في قلوب الأمهات الثكالى والأرامل واليتامى، والنساء الحرائر اللاتي فقدن أغلى ما يملكن على يد قتلة مجرمين.
الميثاق السياسي المثير للجدل، والذي تأجل التوقيع عليه، يهدف إلى تشكيل حكومة موازية للحكومة القائمة، حكومة عجزوا عن إزاحتها بالقوة طوال شهور الحرب. هذا هو مصدر فرحتهم وبهجتهم.
بعد أن كان طموحهم السيطرة على السودان بأكمله، تقلص هدفهم ليصبح مجرد حكومة افتراضية، وزراؤها جميعًا خارج البلاد. حكومة جوالة بلا أرض ولا شعب، وزراؤها بلا مسؤوليات حقيقية، وأيديهم ملطخة بدماء الأبرياء، ولا يستطيعون العودة إلى أرض الوطن خوفًا من المحاسبة.
حكومة موازية لا تحظى بمقاعد في المحافل الإقليمية والدولية، ولا تحمل هوية ولا تاريخًا ولا ثقافة. حكومة مصطنعة، وسياساتها معلبة، تخدم مصالح صانعيها، ولا تهتم بمصالح السودان وشعبه.
إنها لعنة السلطة التي تعمي القلوب وتُذهب الضمائر، لا يهم الثمن ما دامت الغاية هي الوصول إلى الحكم، حتى وإن كان ذلك على حساب أرواح الأبرياء ومعاناة الملايين، وحتى وإن جاءت السلطة على أكف أيادٍ أجنبية خبيثة ماهرة في نشر الخراب والموت.
تتزاحم الأسئلة في أذهان السودانيين المكلومين، الذين اكتووا بنيران هذه الحرب اللعينة. حرب قذرة قادمة من وراء الحدود، ولا يجدون لها تفسيرًا.
ما الجرم الذي ارتكبوه ليستحقوا هذا الموت والدمار والخراب؟
هل يعقل أن يكون كل هذا من أجل التسلية؟
هل يعقل أن يكون كل هذا من أجل تحقيق أهداف خبيثة؟!
لا مجيب..
وحتى الفاعل نفسه قد لا يعرف الجواب، أو ربما يتجاهله عمدًا.
